إفريقيا ما بين الانقلابات والانتخابات المزورة..؟ / الحسن ولد محمد الشيخ خيمت النص

تشهد إفريقيا عودة متسارعة للانقلابات، شملت حتى الآن أربع دول من الغرب (مالي، غينيا كوناكري، بوركينا فاسو والنيجر) وواحدة من الوسط (الغابون)، وقبلها شهدت موريتانيا انقلابين في العقد الأول من الألفية، والسودان انقلابا في العقد الثانيمنها، كما شهدت وتشهد دول أخرى هزات أمنية وسياسية.
تشترك هذه الانقلابات في كونها لم تكن دموية، وأنها أزاحت أنظمة يريد أصحابها أن توصف بأنها منتخبة وديمقراطية.
إن هذه العودة المتسارعة للانتخابات تُلفت الانتباه لعدة مسائل :
– هل الانقلاب ضرورة وطنية أم مجرد وسيلة للاستحواذ على الكعكة..!
كل انقلاب يدعي منفذوه في البيان رقم واحد أنهم أتوا للإنقاذ والخلاص، ويطلقون على أنفسهم أسماء من قبيل: الوطنية والعدالة وغيرها، مما تطمح إليه شعوب طحنها الفقر والجهل والمرض والظلم.
لم يعرف عن أي مجموعة عسكرية تركها النهائي للسلطة، فإما أن يخلع أحدهم بزته ويعود مرتديا زيا مدنيا يحكم من خلاله بمباركة زملائه، وإما أن يقع اختيارهم على مدني مطيع لا يشكل خطرا عليهم بسبب ضعف ظاهر أو كامن أو عصا ابتزاز يلوحون له بها كلما فكر أن يصبح رئيسا فعليا، وفي ظل ذلك يحصل التحكم في المال العام والمناصب العامة، وتُسير حسب ما يهوى الحكّام الفعليون؛ فيتقاسمون الكعكة ويقسمون فتاتها بشكل مباشر وتحكم تام عكس القطرات التي كانت ترشح لهم من النظام المنقلَب عليه.
من جهة أخرى لا يمكن إهمال الظروف المهيئة للانقلاب، ففيها غالبا يكون النظام المخلوع قد وصل عنان الفساد وتوْلية الأقارب واختلاس المال العام، وظلم الشعب، وضرب بعضه ببعض، ولم يبق إلا الحاجز الأخير الجامع المسمى السكينة العامة، والذي بانهياره تحدث الفوضى الشاملة التي لا تقل خطرا عن الحرب؛ وبما أن الجيوش مؤسسة ومكونة للحرب وحماية الوطن يحق لها أن تتدخل في هذه اللحظة الفارقة، ويكون المسؤول الأول عن حصول الانقلاب هو الرئيس المخلوع الذي أوصل الدولة لهذه المرحلة وليس قائد الانقلاب الذي كلفه فريقه بقيادة مرحلة أقل سوء من التي سبقتها.
إن فقد الثقة في الحكام المنصبين المتسلطين وفقدهم للهيبة بسبب ما ينزلون إليهم من مستويات الإسفاف والركاكة في السلوك العام والخاص هي في الواقع الفقرة الأولى من البيان الأول.
– عدوى الانقلابات والانتقام من “الديمقراطية”:
الانقلابات حالة سياسية معدية جدا، وذلك ما تبرهن عليه نهاية السبعينيات والثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، حيث تتالت انقلابات أطاحت برؤساء الاستقلال ثم الذين تلوهم ثم الذين تلوا أولئك إلى أن وصل الانقلاب الأكبر المسمى زورا وتزويرا بالديمقراطية.
“الديمقراطية” هذه أو نظام الانتخابات المزورة مسخ سياسي، فرضه ما بعد انهيار جدار برلين، وهرولة أصحاب النياشين نحو القطب الواحد مسَلمين بزاتهم العسكرية مقابل البقاء في حفلة تنكرية ضحيتها الشعب الذي تنكروا لأصواته، وتتالت عدوى انقلاب الديموقراطية على الحكام العسكر حتى “تمدنوا” وارتدوا الملابس الواسعة كبيرة الجيوب، وعاشوا تحت المكيفات؛ فنضرت جلودهم وكبرت أجسامهم، وفسدت ذرياتهم وبطرت، ونسوا مواطنيهم وجنودهم وضباطهم الأقل رتبا.
وفي العقد الثاني من هذا القرن عاد ما يشبه إرهاصات قطب ثانٍ، عادت معه الروح لحرية الانقلاب، فهل ستطرد هذه الانقلابات أنظمة الضباط السامين “المنتخبين” ووكلاءهم المدنيين واحدا واحدا كما فعلت “الديمقراطية” مع النياشين..؟
– ماذا يستفاد من الانقلابات ومتى ستنتهي؟
في الدول الإفريقية “لا فرق بين الانقلاب والانتخاب” فالمواطن ما زال قابعا في مرحلة البحث عن لقمة غذاء وحبة دواء، وهي وضعية لا يعرف صاحبها من مر بالأعلى، يهمه فقط ما يراه ويؤثر إيجابا على وضعه، أما أصحاب الأبراج فلا هم قريبون حتى يُظِلوه، ولا رحيمون حتى يواسوه، ولا وطنيون حتى يحَسنوا من وضعه؛ إنهم باختصار لا يهمُّونه كما هو لا يهمهم، ويبقى الانقلاب لعبة ضباط يصفق لها المنافقون المدنيون بحماس، ولن تنتهي قريبا ما لم يحكم الدول الإفريقية منتخبون لديهم برامج حقيقية يعملون بصدق على تحقيقها عن طريق تولية أصحاب الكفاءة أو يحكمها عسكريون دكتاتوريون وطنيون مضحون، لا يهمهم منافقو الداخل ولا منتقدو الخارج، همهم حسن تسيير الثروات والعدل بين مواطنيهم.
إن المواطن لا يعنيه مَن يَحكم، ولكن يعنيه كيف يُحكم، فعلى من يحكم أن يحصن وطنه ونفسه وأهله بالعدل.
زر الذهاب إلى الأعلى