أعلام الصحراء الفارس الأديب: ول تارنبَ المشظوفي
بعض الغوص في التاريخ الثقافي لمنطقة الحوض الشرقي، بتناول سيرة أحد أعلام الأدب الحساني في تلك البلاد، وهو أيضا أحد مشاهير فرسانها الذين ظلّ الناس يتداولون مغامراتهم، وبالخلاصة فعن أحد فتيان المجتمع الصحراوي بصيفة عامة ومنطقة كوش والظهر بشكل خاص نتحدث..
هو محمد المختار بن اعلِ محمود بن محمد محمود بن أحمد محمود بن المختار بن محمد محمود(لمحيميد) بن المختار بن ابراهيم بن محم بن بكُّ بن بوهماد جد فخظ أولاد بوهماد الحساني الأصل المشظوفي الإنتماء والذي تسلسلت فيه إمارة مشظوف في منطقتيْ كوش والظهر من لدن المختار ول لمحيميد إلى والد المترجم اعلِ محمود المعروف بسلطان الحوض، وأمه -التي اشتهر بالنسبة إليها- هي تارنبَ بنت ألمين بن اميليد المشظوفية..
ولد في حدود سنة 1917م في إمارة والده مع بدء استيلاء فرنسا على إمارة مشظوف، تربى على قيم الفروسية وصلابة العود، وعشق الأدب منذ صغره فجعل يتعاطاه، وما إن شب حتى صار أشهر فارس في الحوض يجوب الفيافي لا يعترف بسلطة أحد عليه، ولم يعارضه أحد قط إلا قرع سِنه ندما على ذلك، كما اشتُهر بصيد الأُسود، وله فيه القصة الشهيرة مع ابن عمه انجبنان ول لبات ول لمحيميد الذي حاول محاكاته في صيد الأسود فأورده ذلك حياض الردى، وأنشد وهو على فراش الموت قطعته الشهيرة:
الدنيه ي مالك لملاك … لُكانت تبقَ -مُحقّ-
يبقَ فيانَ منه ذاك … يغير الدنيه ما تبقَ
..
اشتُهر من أدب ول تارنبه قوله المطرب:
ليلَ بعد افلخيام … الِّ عند أعرام
حد افعلهَ لكلام … الخاسر عمل اعليه
واعمل زاد اعل ايام … حابس سيڭُ فيديه
ماهُ فوڭ التخمام … واشفَ فيه أعاديه
وذاك ال فيه الخير … أشبه حد اواسيه
ليلَ فالخير أخير … من ليلَ ماه فيه
و”أعرام” هضبة مشرفة على مدينة تنبدغه، وكانت -بل لا تزال- محلا للنزهة لسكان المدينه، وعندها مقبرة فيها الأمير اعلِ محمود، ودفن فيها ول تارنبه نفسُه لاحقا..
وذات سفر له في ما يعرف عند أهل تلك الناحية بالتسوحيل، قال لما عاد صوب تنبدغه فتبدت له هضبة “التجال” وشجرة “أموره” المشهورتين في تنبدغه:
من لزم الحزم الا انزاد … واكبر واتفاحش وورَ
ذوك التجال وذوك زاد … لمظلَّم راصْ أمورَ
وله:
حڭ اخلعنّ عاد ڭول … ذلّ نعرف مدڭانِ
عند البحريه من الهول … والظحك ومن شِ ثانِ؟
وله:
لازم لحزيم إڭتلِ … مخلّ -من تخذالِ-
دون البحريه عت لِ … بالليله ست اليالِ
وله:
ديدَ قلِّ واتويجيلَ … تلُّ يمول الوسيلَ
ڭط اجبرت احذاهم ليلَ … أمرَ فاخويمَ متكيَّ
ما تفضل عنهَ ليلَ … فالفلاح العامريَّ
وقد اشتُهر ول تارمبه بالفتح في “أزوان” فكان كثير الإشارة لمواضيعه في أدبه، ومن ذلك قوله المشتهر:
البارح ي الجواد … ڭيّمت أغلَ لغياد
فابلد ماهُ معتاد … يخلع بيه اتلاحيڭ
فيه الناس الرڭّاد … مستحرف خوف الظيڭ
والّ مسُّ تڭلاب … عنِّ وارفعت ارڭيڭ
وبت انعاو لكلاب … وبت انعاوِ لعتيڭ
فإن “انعاوِ لكلاب” تعبيرٌ عن السهر، ثم إنّ لكلاب شور من أشوار لعتيڭ(ابتيت الجانبه البيظه) فجعل منها تلميحا ليعبر إلى لعتيڭ..
ومنه قوله في شور إڭين من أشوار هيبه(اكحال سنيمه في الجانبه الكحله):
اتلبن حزم ولا ڭصر … والحڭنِ ڭاعد فاخويمَ
ڭالت دبُّوسُ فيّ كر … بالحزم وڭالت سنيمَ
وله من ڭفان لشوار(أو لعله ڭاف نحيه):
عينِ تجرِ … بالدمع اهتن
على النحرِ … صبابةً
ويروى أنه مر ذات مرة على الفنانة امداجه منت النانه والفنان الشهير سيد احمد البكاي ول عوّ، فتوقف وقال لها:
صيبِ بالك مَ خالڭ حد … ما مشرومالُ شورك عين
ذاتك زينه لله الحمد … واخبيطك زين وحسك زين
وأراد المضي فاستوقفه ول عوّ داعيا إياه إلى “تجنب العار” وأن يقول له ڭافا أيضا، فأطرق قليلا ثم قال له:
زين اخبيطك للتيدنيت … وهولك يكبير الفنانين
زين املّ، يغير ابڭيت … انت من راصك مانك زين!
وانظر إلى عفته ونضج أخلاقه في معاملته مع المرأة حين يقول:
ألا ڭوليلِ ي العراد … أرايِ عندك شنهُ عاد؟
ابلد خيمتكم مانِ ڭاد … انجيه امڭيع ذَ نبتِ
وانتِ ما ڭمتِ عنُّ زاد … انعود انجيك إلا ڭمتِ
فهو يمدح أهلها بأنهم لا يدخل خيمتهم الأجانب على ريبة، وفي ذلك اعتزاز ضمني بعفته التي تمنعه من اقتحام خيمة أهلها الذي لو شاء فعله، ثم يمدحها بأنها لا تخرج للأجانب فلا سبيل إلى لقائها.
وفي ذات الإتجاه يقول:
حرّك يانَ يمغير … كون الخنط امعرم
وانَ ذلّ نختير … الباسُ مشرّم
فهو -رغم أنه من أسرة الإمارة- تمنعه نفسه أن يهديَ محبوبته ثوبا جديدا، رغم خلاقة ثوبها، لما في ذلك من السحت.
ومن تلميحاته أيضا في الأدب:
من ذ آنڭري دام اكتيل … بيّ باط الّ ذَ آنڭري
ألا هو لماتيلِ … وامّ طلحِ وامّ سدري
توفي ول تارمبه مطلع خمسينات القرن الماضي متأثرا بحمى انتشرت في مالي وامتدت منها إلى الحوض، ودفن عند هضبة أعرام كما أسلفنا، رحمه الله وغفر له.
احمد اباه.