كتب مراسل الوكالة العربي ولد محمد
منذ زمنٍ لا أستطيع تحديده، بدأتُ أستأنس فجوةً لم تكن يومًا مني، لكنها اليوم تسكنني بثقلٍ لا يُحتمل. حجمها، وإن بدا كقبضة اليد، يتسع ليبتلع فراغًا أكبر مما أملك، أكبر مما أستطيع احتماله.
كل مساء، أُقيم محكمةً سرية بيني وبين عقلي.
أحاول أن أُدافع عن نفسي، أن أُبرر برودي الذي بات كالستار يحجبني عن العالم. أُقنعه، أو أُقنعهم، بأننا وُلدنا ناقصين، وأن الكمال وهْمٌ لا يُدرك.
لكنّ المنطق، كما عهدته، لا يخضع للعاطفة، ولا يُصغي للغة الكسور.
كل مساء أخرج من تلك المحكمة وأنا المدان الوحيد، أحمل في يدي صكّ العجز، وفي قلبي شعورٌ بالخسارة.
بعدها، أمرّ على عيني كمن يزور أطلالًا قديمة.
أسمح لها سرًا بأن تُفرغ شحنتها اليومية من الدمع المكبوت، كطقسٍ أخير يُمارس لتخفيف تشققات وجهي التي حفرتها الأيام.
لكنها دموع بلا جدوى، تأبى الخروج، كأنها تخشى أن تُغادرني تمامًا.
أنا الآن جسد بلا قلب.
استُؤصل من داخلي في غيبوبة عابرة، دخلتها تحت تأثير مخدر الثقة.
كنتُ قد أودعت قلبي عند من ظننت أنه حصني الأخير.
وحين أفقت، لم أجد إلا فراغًا.
قلبي كان هناك، معروضًا في مزاد علني، تُساوم عليه وجوهٌ غريبة لا تُدرك قيمته، ولا تعرف ماذا يعني النبض،يوما كانت قريبة.
ما لا نُفصح عنه عند الرحيل…
هو ذلك الثقل الذي يترسب في أرواحنا كحجرٍ غائر في ماء ساكن.
هو الفقد الذي يترك فجوة لا تُسدّ، وخيطًا خفيًا من الألم، نتجاهله بقدر ما نحاول، لكنه يبقى، شاهدًا أبديًا على ما كنّا عليه، وما لم نعده بعد الآن