الخريطة الانتخابية في كيفة: الخيارات والسيناريوهات المحتملة (رأي حر)

مع اقتراب موعد اغلاق قائمة اللوائح المرشحة للانتخابات البلدية والجهوية، والذي سيحل خلال ساعات قليلة، وعلى وقع الاستدعاءات المتكررة لبعض الفاعلين في الولاية الى نواكشوط، يتابع الناخبون هذا الحراك بشيء من الترقب وينتظرون مفاجآت محدودة تغذيها دعاية مختلف الاطراف ، وتأخذ شكل شائعات يتناقلها الناس. فلكل يوم في مدينة كيفة شائعة على الأقل.
العارفون بجغرافيا المدينة السياسية يرصدون مفارقة أساسية، وهي أن حزب الانصاف أعاد ترشيح نفس الشخوص الذين فازوا عام ٢٠١٨ ومع ذلك يجمع المراقبون أنها أثارت ، عن حق، استياء طيف مهم من سكان المقاطعة. والواقع أن التحالفات السياسية التي ادت الى ترشيحهم قد انقلبت فيما دفع بهم الحزب الى الترشح من جديد. ففي ترشيحات ٢٠١٨ التي أثارت يومها زوبعة من الاستياء حصد حلف سيدمحمد ولد محمد الراظي كافة المقاعد حيث كان النائب خطري مرشحه ، وكان رئيس الجهة مرشحه وكذلك كان عمدة كيفة وهو الوحيد من الثلاثة الذي لم تجدد الثقة فيه. ولعل استياء السكان الواسع من أدائه والذي نقل الى الجهات العليا من خلال قنوات مختلفة، فضلًا عن التغيير الجذري للتوازنات في المجموعة القبلية التي ينحدر منها، عصفا بالمستقبل السياسي للعمدة ولد كبود.
المقاعد النيابية، ولعبة المقاعد الموسيقية:
الحقيقة ان الذين أعيد ترشيحهم ، أعيد بغض النظر عن رغبة الاحلاف التي قدمتهم اصلا. فمن المعروف ان ولد محمد الراظي تخلى عن النائب خطري وعن رئيس الجهة محمد محمود ولد الحبيب، وتبنى بدلها ولد امحود ومحمد لمين ولد احمد. لم يعبأ الحزب لذلك وأعاد ترشيح النائب ورئيس الجهة مراهنا على قواعد حزب الانصاف وآخذا بعين الاعتبار لتمثيل الحراطين في حالة النائب وعلى القدرة التعبوية للوسط الاجتماعي الذي ينحدر منه رئيس الجهة.
ولا يرى البعض في كون الحزب قام بهذه الترشيحات متجاهلا مطالب الاحلاف السياسية في المدينة مخاطرة كبيرة ، اذ كان سيكون هناك مغاضبون في جميع الاحوال، مهما كانت الترشيحات.
بعض المراقبين يعتقد انه ترتب على ذلك اقصاء لحلف ولد محمد الراظي ، او على الاصح استفزاز يتهمون ابن عمه وغريمه الوزير لمرابط ولد بناهي ، الذي يعتقد البعض انه استفاد ايضا من الدعم الحاسم لنائب بومديد
ومذ نشر قوائم ترشيحات الانصاف يخضع ولد محمد الراظي لضغوط قوية لثنيه عن ترشيح قوائم منافسة وهو فخ حقيقي أراد ناصبوه أن يقطعوا شعرة معاوية بين الرجل والنظام. في جميع الاحوال ، وحسب الخريطة الحالية للمترشحين للنيابيات في كيفة يبدو هنالك سيناريوهان لا ثالث لهما:
١- بقاء الخريطة بشكلها الحالي -بمافي ذلك ترشيحات حزب الانصاف- وفي هذه الحالة قد تكون هناك حظوظ معقولة لاقصاء هذا الحزب من اي مقعد نيابي ولكن الاغلبية النيابية ستحصد مقعدين من خلال ولد الطالب ألمين الذي يجمع المراقبون على شعبيته، وولد امحود الذي سجل أعدادا كبيرة من غير الناخبين التقليديين في المدينة فضلا عن تحالفه مع ولد محمد الراظي وعن وسائله المالية المعتبرة. وفي ظل هذا السيناريو سيذهب المقعد الثالث الى المعارضة إما من خلال تحالف حزب الصواب-جو (بقيادة بيرام الداه ولد اعبيدي)، أو الى حزب تواصل.
٢- السيناريو الثاني ، يتمثل في تغيير رأس قائمة حزب الانصاف بشخص يستند الى حاضنة انتخابية حقيقية. في هذه الحالة قد تحصد الاغلبية الرئاسية مقاعد المقاطعة الثلاث حيث سيتمكن حزب الانصاف من حجز مقعد من المقاعد الثلاث يليه ولد الطالب ألمين ثم ولد أمحود على أن تقصى المعارضة نهائيا. رغم ان الموضوع طرح في أروقة الحزب الحاكم في نواكشوط ، غير ان اية أسماء بديلة لم تتسرب. مصادر من داخل حزب الانصاف رجحت -في حال استبدال النائب خطري- ان يعوضه أحد اثنين: المرشح الثالث حاليا على القائمة، المصطف ولد حمادي وهو مرشح شاب يستند الى مرجعية تقليدية قوية انتخابيا وكانت كتلته الاجتماعية أقصيت من ترشيحات حزب الانصاف، او سيدي محمد ولد محمد الراظي في حالة توصله الى اتفاق مع قيادة الحزب الحاكم أو على الأصح الامين العام لرئاسة الجمهورية الذي استقبله مرتين في الايام الماضية.
مقعد عمدة كيفة: مفاجأة نسبية
أثار اختيار السيد محمد ولد هاشم دهشة المراقبين ولكن دون ردود فعل سلبية.
مبعث الدهشة هو أن الجميع كان يتوقع ترشيح شخص من شريحة الحراطين ولايام عديدة تم تأكيد بلخير ولد بركة كمرشح للمقعد.
غير أن أغلب الجماعات السياسية وجدت في ولد هاشم خيارا مقبولا على الاقل. فهو مرشح شاب، دون ماض سياسي، مثقف تلقى تعليمه بين جامعة نواكشوط والجامعات الفرنسية، من جيل يحمل طموحا حقيقيا للمدينة . ثم إنه ينحدر من الوسط الاجتماعي المقرب لرئيس الجمهورية. مع ذلك لا يسلم هذا الخيار من بعض التحديات الناجمة عن قرارات الحزب الاخرى. فبإقصائه لحلف الوفاء أرغم حزب الانصاف ولد الطالب ألمين على رفع التحدي والدفع بمرشح لبلدية كيفة التي لم تكن أولوية لديه. والحقيقة أن الوزن الانتخابي لولد الطالب ألمين هو اكبر عقبة في وجه قائمة حزب الانصاف. مع ذلك يرى بعض المراقبين ان مرشحه للمنصب غير مقنع فضلا عن تشرذم حاضنته الاجتماعية التي يتنافس اربعة من أبنائها في الانتخابات القادمة.
عمدة كيفه الحالي هو الآخر قدم لائحة منافسة غير أنها لا تمثل تحديا حقيقيا. فقد عصفت بالرجل موجة استياء واسعة لدى السكان نقلت الى السلطات الحزبية والرسمية العليا لقنوات مختلفة. ثم ان تغير التوازنات السياسية داخل وسطه الاجتماعي تركه في الاقلية.
اذ لايستند الرجل الى قاعدة انتخابية حقيقية بل هو مرشح سيد محمد ولد محمد الراظي وينسحب عليه ماينسحب عليه من مواقف. من هنا كانت عدم فعالية توظيفه اقصاء مجموعته القبلية التي يبقى من أقليتها. ذاك أن الوزن الانتخابي لتلك المجموعة يتمثل أساسًا في مجموعة أهل حمادي التي كانت تبحث عن منصب النائب وعبرت عن انضباطها تجاه خيارات حزب الانصاف في بيان علني وفي لقاءاتها مع الجهات الرسمية. احد ابناء هذه المجموعة يوجد في قائمة الانصاف في المرتبة الثالثة. كما أن المجموعة الثانية الوازنة عدديا هي مجموعة أولاد ألمين وقد عبرت عن دعمها لمرشح حزب الانصاف خلال لقاءات جمعته بشخصياتها. العمدة الحالي لم يستوعب بعدان التحالفات التي سبقت ترشيحات الحزب، والترشيحات نفسها والانتخابات التي ستليها هي تكريس لنهاية حقبة سياسية استفاد منها في الماضي. ولعل ترشحه جاء تحت وقع الصدمة وهو الآن بين خيارين أحلاهما مر: الانسحاب دون مقابل وضياع ماء الوجه، او البقاء في السباق وتحمل مسؤولية ذلك بمافي ذلك في مستقبله المهني اذ يشغل الرجل منصب رئيس مصلحة في وزارة التنمية الحيوانية، كما سيكون من الصعب تسليم وظيفته وملفات البلدية دون النظر في جوانب مالية قد تكون محرجة.
رئيس جهة العصابه: رهان اللحظة الاخيرة
جدد حزب الانصاف الثقة في الرئيس الحالي للجهة، محمد محمود ولد الحبيب ، وهو أحد شباب المدينة ، كان قد احتل المنصب كمرشح لحلف ولد محمد الراظي عام ٢٠١٨ وسحب الأخير ثقته منه بل رفض مجرد نقاش اعادة ترشيحه. وكان مفوض الشرطة السابق محمد لمين ولد احمد رشح نفسه لحزب الانصاف وقاد حملة اعلامية شرسة وحصل، للأمانة، على تزكيات أعداد كبيرة من المنتخبين المحليين في مختلف مقاطعات الولاية. غير أن عقبات كأداء وقفت دون ترشيحه من طرف حزب الانصاف، وتتمثل في قرار الحزب عدم ترشيح اي عسكري او رجل امن سابق في عموم البلاد. وحسب بعض المراقبين ، دفع الرجل ثمن قربه من الوزير الاول السابق يحي ولد حمدين ، غريم الامين العام الحالي لرئاسة الدولة الذي لم يخف ابدا اهتمامه بالتوازنات السياسية في لعصابه.
على ضوء ذلك، يواجه ولد الحبيب في ترشحه لرئاسة الجهة مقاومة من داخل وسطه الاجتماعي اساسا ومن طرف حلف ولد محمد الراظي. غير ان حملة انتخابية معدة بعناية قد تمكنه من استعادة المنصب لدورة ثانية .
في المحصلة النهائية، جاءت ترشيحات الحزب الحاكم في كيفه مفاجئة فعلا، غيرا انها على مستوى النيابيات قد تمكن الحزب في أحد السيناريوهات المحتملة، وفي رمية من غير رام ، من حصد المقاعد النيابية الثلاث، فيما يبقى مستقبل بلدية كيفة ورئاسة جهة العصابه آمنا. لايعني ذلك ان هذه الانتخابات لم تترك جروحا غائرة في نفوس جماعات وازنة عبرت عن انضباطها الحزبي ومرارتها من قراراته. ولكل تأكيد فالجماعات التي اقصيت نهائيا تتساءل ان لم يكن الامر استفزازا مقصودا للوقيعة بينها والنظام القائم . اذا كان الامر استفزازا فقد نجح لحد الساعة اذا سيضمن لحزب الانصاف فوزا كاسحا رغم اقصاء مكونات مهمة كانت تحرج بعض غرمائها المحليين رغم احتلالهم مناصب حكومية.

بقلم سيد أحمد ولد مولود

 

زر الذهاب إلى الأعلى