عطلتي في كيفه/ الاستاذ الحسن ولد محمد الشيخ

اعتدت خلال عطلتي الصيفية أن أجلس يوميا أمام مقر وكالة كيفة للأنباء مع نخبة من أبناء المدينة ؛من أساتذة و مثقفين ، و أحيانا مع تقليديين .. يدور حديثنا المتشعب بعفوية تامة دون إعداد للمواضيع المطروقة .. نخوض في سياسة البلد بحيادية مغشوشة ، و لكن تأخذ المعارضة حظها من النقد كاملا مثلما يأخذ النظام .

نتحدث عن واقع المدينة المزري بحرقة يتجاوز لهيبها الحناجر مع لهفة تشع بنور الأمل ، فنثمن بعض المبادرات الخجولة التي تطل من حين لآخر في محاولة منها لترك أثر إيجابي يعود بالنفع على السكان .

في تلك الجلسة التي تدوم زهاء الساعتين يوميا، و برعاية تامة من مدير الوكالة الذي يوفر المكان و الشاي و الخبز و الفستق و المطالعة -و نحن نشكره على ذلك- نشعر بالراحة و الحرية و العدالة و المساواة .. نمقت العنصرية و الشرائحية ، و نتطير من كل ناعق مشؤوم يعزف تلك الأوتار .

لا شيء محظور و لا خطوط حمراء إلا ما كان يخل بالذوق العام أو يدعو لحمية جاهلية منتنة .

نحظى تارة ببعض الظرفاء ممن يجلسون عادة في مجالس السياسة القرفصاء ، و لهم فيها صاع و باع ، فينثر الواحد منهم كنانته من الأدب بما يشنف الأسماع ، و من الطرف و النوادر ما يزيل الرتابة و الملل ؛ فنضحك كأول مرة بالإجماع .

و تارة تنتصب السيدة ( ف )سامقة كعمود كهربائي لصوملك يصعق لأتفه الأسباب .. تطل بوجه بريء براءة طفلة غضة لا تكاد تميز بين الفقراء و الأغنياء في بلد “يزرع أهله ما لا يأكلون و يأكلون ما لا يزرعون ” ! إنها هي (ف) تلك السيدة التي اقتربت من الرئيس السابق عزيز ذات يوم في زيارة رسمية للمدينة و سألته صدقة فأمر لها بذلك فأعطوها ألف أوقية .. ابتسمت و قالت مستهزئة “فظمة هذي كاع يعطيها لي الشرطي ( ح ) لين نطلبو ” !

فكم يا ترى سيحظى به أمثالها من ذوي الاحتياجات الخاصة عند تطبيق برنامج “تعهداتي” خلال المرحلة الجديدة !؟

و أحيانا نتدارس بعض الأحكام الفقهية فنأخذ من فتاوى الشاه و تسجيلات ولد عبد البركة مادة للتحري في طرح الأول و التدقيق في لغة الثاني .

و نتحدث عن أمراض المجتمع التي باتت تنخر جسمه المنهك أصلا ؛ فنجدنا حائرين أمام الكم الهائل للتسريبات من تسجيلات فاضحة و فيديوهات خادشة للحياء فنقرأ الأسباب بقراءات مختلفة تعطي في النهاية نتيجة واحدة تثبت صدقية قول الشاعر

و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

نأخذ ذلك كنتيجة حتمية لما آل إليه البلد من ترهل في التعليم و اعتلال للصحة و تصدع في اللحمة الاجتماعية ….

عند مقر وكالة كيفة للأنباء قد تصادف حول تلك الطاولة المستديرة البيضاء بياض جيوب الندماء إلا قليلا -قد تصادف- المهندس و الطبيب و المدرس و الإداري و العمدة و المزارع و المنمي و السياسي و الحقوقي كل يدلي بدلوه فيتناول تارة من الحديث شيقه و تارة من حب الفستق أنضجه دون أن يكون ذلك على حساب الآخر ؛ فيكبر الأمل عندنا و نزداد ثقة أن موريتانيا بلد غني يسع الجميع ، و لأبنائه القدرة على العيش المشترك في جو ديمقراطي عماده التنمية و العدالة الاجتماعية …

فهل سيتمكن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من خلق ذلك الجو لهذا الشعب العربي الأفريقي المسلم المسالم في بضع سنين ؟

زر الذهاب إلى الأعلى